منتدى حماة الشريعة

مرحبا بك زائرا في منتدى حماة الشربعة نتمنى أن نكون قد نفعناك في دنياك و أخرتك

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى حماة الشريعة

مرحبا بك زائرا في منتدى حماة الشربعة نتمنى أن نكون قد نفعناك في دنياك و أخرتك

منتدى حماة الشريعة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى حماة الشريعة


    خطبة أحفاد قارون مفرغة

    avatar
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 910
    نقاط : 2159
    تاريخ التسجيل : 31/08/2013

    خطبة أحفاد قارون مفرغة Empty خطبة أحفاد قارون مفرغة

    مُساهمة من طرف Admin الأربعاء سبتمبر 18, 2013 4:47 pm

    خطبة لـ: الشيخ محمد العريفي
    بعنوان:أحفاد قارون

    الخطبة الأولــى

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، جل عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه وأمينُه على وحيه ، أرسله ربه رحمة للعالمين ، وحجة على الناس أجمعين ، فهدى الله تعالى به من الضلالة وبصَّر به من الجهالة ، وأغنى به بعد العيلة ، وكثَّر به بعد القلة ، ولمَّ به بعد الشتات ، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغُرِّ الميامين ، ما اتصلت عين بنظر ووعت أذن بخبر وسلم تسليماً كثيرا .

    أما بعد أيها الإخوة المسلمون ..
    لقد أنزل الله تعالى كتابه عظة وعبرة للناس من الجن والإنس ، ولقد ذكر الله تعالى في كتابه قصصاً وأخباراً من أخبار الأولين وذلك لأجل أن نتعظ بها ونعتبر}كُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ{ ،} كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً{.
    ولقد نوّع الله تعالى هذه القصص لأجل أن تتنوع منها العبر والعظات ، فتارة يذكر الله تعالى نصرته لنبي من الأنبياء ، وتارة يذكر الله تعالى بلاءً حل بأحد الأنبياء ، } لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا{، وتارة يذكر الله تعالى عقابه بعدد من الأمم حتى إذا أخذهم، أخذهم أخذ عزيز مقتدر ، وتارة ربما لا يذكر الله تعالى حال أمة ، ولا يذكر حال نبي ، إنما يذكر حال واحد من الطغاة الذين حكموا في التاريخ ، والذين كان لهم شيء من التسلط والظهور بين الناس ، وكم وعظ وذُكِّر لأجل أن يعتبر ويتعظ لكنه لم يَتَنَبَّه إلى ذلك .
    ولقد بيّن الله تعالى في كتابه أنه لولا نزول القرآن على رسولنا صلى الله عليه وسلم لم نكن لنعلم بهذه العبر والعظات ، ولم نكن نعلم بهذه الأنباء والقصص ، ألم تسمع إلى قول الله جل وعلا لما ذكر قصة موسى عليه السلام قال سبحانه وتعالى: }وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيّ إِذْ قضينا إِلَىَ مُوسَى الأمْرَ وَمَا كنتَ مِنَ الشّاهِدِينَ {، وكأن الله تعالى يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام لن تصل إلى خبر موسى ولن تعرف قصة موسى ولا أحوال دعوة موسى ، لولا أننا ذكرنا لك ذلك في القرآن .
    ولما ذكر الله تعالى قصة مريم عليها السلام قال سبحانه وتعالى } ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ {ثم قال الله}وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ { والمعنى أنه لو لم ننزل عليك الآيات لما علمت ولا شيئاً من الخبر عن حال مريم وقومها .
    ولما ذكر الله تعالى قصة يوسف عليه السلام قال الله جل وعلا} : ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ {ثم قال الله} : وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُون { يعني لما اجتمع إخوة يوسف عليه السلام ، وكادوا له لأجل إلقاءه في لجة ذلك الجب .
    أيها المسلمون ... إن الذي ينظر في كتاب الله تعالى يجد أن العبر والعظات تتنوع ، لذلك كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينظر في القرآن ويُذكر أصحابه به ، وربما استشهد أحياناً بحال من ذكرهم الله تعالى في القرآن .
    نحن اليوم خلال هذه الدقائق نقف على حال طاغية من الطغاة ، وما أكثر الطغاة في التاريخ ، وما أشدّ ما لاقى أقوامهم منهم ، لكن ربنا جل وعلا اختار من هؤلاء الطغاة على كثرتهم من يكون في ذكره عظة وعبرة لأمتنا ، وإلا فالطغاة كثر ، والصالحون أيضاً كثر ، والأنبياء كثر في الأمم السابقة ، لكن ربنا جل وعلا اختار لنا من يكون لنا فيه عبرة وعظة . ذلك الطاغية أتاه الله تعالى شيئاً من الملك و كَثْرة من المال وقوة في جسده وظهوراً في قومه وذكاءً في عقله ، وجعل الله تعالى له سيطرة على الناس ، لكنه لم يستثمرها في طاعة الله تعالى ، بل أخذ يكيد للدعاة الذين في عصره، وأخذ يضّيق عليهم ، وإذا ظهر نبي من الأنبياء أو أحد الدعاة بدأ يكيد له ، بل ربما اتهمه في عرضه ، وفي شرفه لأجل أن يصرف الناس عنه ، تعالوا اليوم نتكلم خلال هذه الدقائق عن الذي قال الله تعالى فيه } : فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ { أين حاشيته ؟ أين وزراؤه ؟ أين حرسه ؟ أين الذين يديرون أمواله ؟ أين الذين يحملون مفاتيح كنوزه ؟ كل هؤلاء لم يكن أحد يستطيع أن ينصره ، بل هم أول من يتخلى عنه ويهرب عنه . نتكلم اليوم كيف خسف الله تعالى به بل وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين ثم أظهر الله تعالى العبرة فقال جل وعلا} وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ{الذين كانوا يتزلفون إليه ويتقربون إليه ويطيعون أوامره ويُحَسِّنون له كل شيء يفعله ويقدمون رضاه على رضا رب العالمين، أصبح هؤلاء} يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ{
    بيّن الله جل وعلا في كتابه تفاصيل قصة قارون، فقال سبحانه وتعالى} : إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى { بمعنى أنه جاءه نبي يحذره ويذكره ويعظه ، وكان قارون قريباً لموسى وكان يريد ويرغب أن تكون له النبوة بدل موسى ، حتى إذا اختار الله تعالى موسى ، واختار الله تعالى معه أخاه هارون ، فاغتاظ ذلك الرجل ووجد في نفسه ، كيف يكون هذا نبياً بدلاً عني ؟! فجعل يكيد لموسى عليه السلام ، حتى أقبل إلى امرأة بغيّ ، وأغراها بالمال على أن تقوم في الأشهاد إذا جمع موسى الناس ، وتتهم موسى عليه السلام بأنه وقع عليها بالفاحشة فوافقت له على ذلك ، فلما اجتمع موسى بالناس وجعل يعظِهُم ويذكرهم ويحذرهم من الفواحش قام إليه قارون ، قال :
    يا موسى من وقع في الفاحشة عوقب ؟
    قال : نعم ،
    قال : وإن كنت أنت ؟
    قال: وإن كنت أنا ، وإن كنت أنت يا قارون ، من وقع فيها عوقب .
    عندها قامت تلك المرأة وصاحت في الناس أن موسى وقع عليها بالفاحشة !! فالتفت إليها موسى عليه السلام وقال:" اسألكِ بمن شق البحر وبمن فعل كذا وكذا و جعل يعظّم عليها في القسم واليمين "...أأنا فعلت ذلك ؟!..." فبكت المرأة ، وقالت: لا والله بل إن قارون هو الذي دفع لي كذا وكذا ، على أن أقول هذا .
    فكان قارون لا يكتفي فقط بأن يصُدّ الناس عن الدعوة كلا ، ولا أن يضيّق على الناس في صلاتهم ، ولا أن يضيّق على الناس في أرزاقهم ، ولا على أن يحرمهم من أجورهم كلا ، بل كان يأتي إلى القدوات التي يقتدي بها الناس ويحبونها ، التي تعلم الناس دينهم ، ويحول بين الناس و بين الوصول إلى دينهم من خلال هؤلاء الدعاة ، إما يشوّه صورهم ، إما يمنع الدعاة من الوصول إليهم ، هكذا كان يفعل كما بيّن الله جل وعلا ذلك }إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ {بغى بأنواع البغي ، بغى بضربه لهم ، وبمنعه الأرزاق عنهم ، وبتكبره وتجبره عليهم ، وبصدهم عن سبيل الله وعن الصلاة . قال} : فَبَغَى عَلَيْهِمْ{ مع أن الله تعالى قد أنعم عليه } : وَءاتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ{ لم يصف الله تعالى مقدار المال ، إنما وصف لك مقدار المفاتيح ، لتعرف هذه المفاتيح تغلق على كم من الأموال ؟ قال: }وَءاتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ { المفاتيح يحملها عصبة ( وهم ما بين التسعة إلى الخمسة عشر) هؤلاء الذين يحملون المفاتيح !! فما بالك بحجم الخزائن التي تقفل عليها تلك المفاتيح !! لكن الله جل وعلا لأجل أن يقيم الحجة على قارون هيئ له من قومه من ينصحوه ، من يتكلمون معه ، من يذكرونه ، من يحولون بينه وبين المنكر ، ولا يزال في كل بلد وفي كل مكان وزمان ، لا يزال أقوام يصدقون مع الله تعالى في النصح والتوجيه حتى مع الظلمة والطغاة مهما عظموا ومهما كبروا }إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ { لا تفرح الفرح الذي يطغيك، لا تفرح بملكك وتنسى الآخرة ، فإنه قد يفجأك موت، قد يفجأك سقوط، قد يفجأك أمر}إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ{ إذاً كيف تتصرف بأموالك ؟ }وَابْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ { تصدق يا قارون ، ابنِ المساجد يا قارون ، اكفل الأيتام يا قارون ، افتح المدارس لتحفيظ القرآن يا قارون ، اطعم الأيتام يا قارون ، ارحم الأرامل يا قارون ، ساعد الشباب الذين يريدون الزواج يا قارون ، وظفهم عندك بدلاً من بطالتهم يا قارون. ثم بينوا له المنهج الوسطي فقالوا }: وَابْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا {وسَطِيَّة لا تجدها إلا في الإسلام ، إن ذهبت إلى النصارى وجدتهم يتعبدون برهبانية } ما كتبناها عليهم { ما فرضها الله تعالى ولا كتبها عليهم ، وإن ذهبت إلى غيرهم وجدتهم ينغمسون في وحل الدنيا ولا يلتفتون إلى الآخرة ، أما هذا الدين الذي شرعه الله تعالى لعباده }إن الدين عند الله الإسلام { وهذه الوسطية موجودة ليست فقط في الإسلام ، بل حتى في الأديان الصحيحة التي أنزلها الله تعالى على موسى وعيسى عليهما السلام وعلى غيرهم من الأنبياء} وَابْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا{
    وكما قال سلمان لأبي الدرداء رضيّ الله عنهما قال : ((إن لجسدك عليك حقا ولأهلك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولزوجك عليك حقا ولزورك عليك حقا فآتي كل ذي حق حقه)) وذلك لما وجد سلمان أن أبا الدرداء يصوم النهار ويقوم الليل ، ولا يلتفت إلى راحة نفسه ، ولا إلى زوجه ولا إلى ولده ، فأمره أن يكون عنده توازن ، فنحن لا نقول أن الإنسان يترك الدنيا كلها ، لا ، نرضى أن تكون صاحب مال ، نرضى أن تكون صاحب رئاسة وظهور بين الناس لكن مع ذلك } وابْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ { لكن } وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا { لا مانع أن يكون عندك مزرعة ، ويكون عندك بساتين ، وتملك شركات وتدير مؤسسات ، ويكون عندك قصر منيف ، ويكون عندك الأرائك والسرر ، والزوجات الحسان ، والأولاد والخدم والحشم ، لكن لا يطغيك ذلك ولا ينسيك أمر آخرتك ، وانتبه لا يكون هذا من حرام أو من تجويع الشعوب أو من منعهم حقوقهم ، قال } : وَابْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا{ ثم نظروا إلى الضعفاء والفقراء فإذا هم يأكلون الثرى من شدة الجوع فقالوا له : }وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ {هذا يا قارون أنت ما حفرت الأرض وأخرجت ذهباً ! يا قارون أنت ما هززت أبواب السماء وسقط عليك الذهب ! يا قارون أنت لم تلمس الصخر فيتحول إلى ذهب ! هذا بجهد ءاتاك الله تعالى أسبابه وقدراته ، لو كنت مشلولاً أو مجنوناً أو مقعداً أو سفيهاً ما استطعت أن تجمع هذا المال ، أفبهذا لا تشكر به ربك لما انعم عليك ؟ }وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ {لا تبن بارات لشرب الخمور يا قارون ، ولا تمّكن لأماكن ترتكب فيها أنواع المعاصي يا قارون ، ولا تعطِ رشى يا قارون ، ولا تقرّب فلاناً وفلاناً لأجل أن يسكتوا عن بعض ما تعمل يا قارون ، فيقولون له : }وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ { بعض الناس أيها المسلمون لا يكتفي أن يفعل الفساد بنفسه فقط ، ويا ليته يكتفي أن يزني هو أو أن يشرب الخمر هو ، أو أن يترك الصلاة هو ، لهان الخطب لكن الأمر أن يبغي الفساد في الأرض ! أن يجعل المنكر قانوناً يأمر الناس به ! ومن نهى عن هذا المنكر أو أمر بمعروف فإنه يُخَلد في السجنِ إلى أن يموت ! ولربما يحصل له ما هو أعظم من ذلك } وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ { يا أخي أنت لا تريد أن تصلي لا تصلي ، لكن لا تمنع الناس من الصلاة ، أنت تريد أن تشرب الخمر هذا إليك والله يحاسبك ، لكن لا تلزم الناس وتفتح أبواب الخمر لأبنائنا وبناتنا وللناس لأجل أن يشربوا الخمر } وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ { لا تكن مفسداً لا تكن مفتاحاً للشر مغلاقاً للخير }وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ { فماذا فعل قارون ؟ هل قبِل هذه النصيحة ؟ هل قال جزاكم الله خيراً ، نصيحة طيبة !؟ وأنا عندي من الأموال الشيء الكثير سأخرج زكاتها ؟! وكانت الزكاة في عصره واحد في الألف ، كان موسى يأتي إليه ويقول أعطني من كل ألف دينار ديناراً ومن كل ألف درهم درهماً فكان يمنع ذلك ، هل قال ذلك ؟! هل اعترف بخطئه وقال جزاكم الله خيراً وأنا مخطئ ، ربِ لك الحمد على ما اتيتني من نعم ، وهذه صدقة ، وهذا مسجد نبنيه ، وهذا منكر ننكره ؟! لا }قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي {علم عندي بالتجارة ، وعلم عندي بجمع المال، لكن لم يكن عنده علم بالدين ، ولا علم بالآخرة ، ولا علم بالتاريخ السابق ، وكيف أهلك الله الأقوام من قبله ، لا ، ما كان عنده هذا العلم أو كان عنده ولم يلتفت إليه لأجل ألا يعتبر ، }قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي { قال الله } أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ{ يقول الله يوم القيامة ما يحتاج نسأل قارون عن ذنوبه ، ما يحتاج نقول يا قارون أنت زنيت ؟ أنت شربت الخمر ؟ أنت أشركت ؟ أنت منعت المصلين ؟ أنت أكلت أموال الناس بالباطل ؟ أنت منعت إنكار المنكر ونهيت عن الأمر بالمعروف؟ هل أنت فعلت ذلك يا قارون ؟ لا ، فكل شيء مكتوب ومستطر عندنا } وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ { ثم وصف الله تعالى حاله ، بعدما يخرج إلى الناس وهو يتذكر أمواله وأُبهته وقصره قال الله جل وعلا }فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ { ولك أن تتخيل قارون وهو على دواب مزينة بالحرير والذهب ، وحوله الخدم والحشم ، وحوله ربما الأهازيج والأشعار والمغنيات }فِي زِينَتِهِ { زينة في ماله ، وزينة في مركوبه ، وزينة في مظهره ، وزينة في لباسه ،كما يفعل بعض الطغاة اليوم إذا خرج إلى الناس في زينته وجعل يركب سيارة يستطيع أن يُطعم بها أكثر من ألفين أو ثلاثة آلاف أسرة ! وربما ساعته التي في يده يستطيع أن يُطعم بها أُسراً لا يكاد أن يُعِدها عاد ، ولبسه بل حذاؤه الذي يلبسه في رجله يستطيع به ربما أن يعالج مرضى ، وأن يكسو مساكين وعرات ... لكن لا يفعل ذلك ، يحرص على زينته ولا يلتفت إلى غيره } فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ { فإذا الناس قد انقسموا إلى قسمين ، قسم ممن غرتهم الدنيا ولم يهمهم الدين ، ممن لما نثر لهم قارون الخمر والدنانير و الفواحش التقطوها وانغمسوا فيها }قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا { الذي يتمنى أن يكون حارس شخصي ، يتمنى أن يكون حاجبا عند الباب ، يتمنى أن يكون سائقا لأجل أن يأتيه فتات } قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا { وهم ينظرون إلى هذه الأُبهة } يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ { ما قالوا : يا ليت لنا مثل ما أوتي موسى من النبوة والدين والكتاب والصلاة والصوم وعمل الطاعات ، لا ، إنما يريدون ما أوتي قارون ، وماذا أوتي قارون إلا الفاحشة ، وشرب الخمر ، والصد عن سبيل الله ، واتهام الناس بالباطل ، والحيلولة بينهم وبين دينهم ، هذا الذي أوتيه قارون تتمنونه !!؟ نعم ، لا يزال هناك أقوام مرضى في قلوبهم ، ولِقارون نوع من السبب في إفساد قلوبهم ، لأنه حال بينهم وبين الهداية وحجزهم عن معرفة الحق } قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ {كيف تقولون هذا الكلام ؟! }ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ ءامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُون { كيف تقولون هذا الكلام ؟! تتمنون ما عليه قارون من الفجور و الخنا ؟! ثواب الله خير، والصلاة خير والصوم خير ، ورحمة الضعفاء والمساكين }خَيْرٌ لِمَن ءَامَنَ { ليس فقط لمن ءامن ، لا ، بل }وَعَمِلَ صَالِحًا { ثم علموا أن النصر مع الصبر فقالوا} : وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ{ فبينما قارون في أُبهته وزينته ، وهو لا يخشى من أي عقوبة تأتيه ، بل لم يتجهز لها ، قد اُعد له طعامه وشرابه إذا رجع ومعه حاشيته ، فإذا بالأمر والسقوط يأتيه فجأة ، وهو لم يعُد له ولم يستعد له ، فانظر إلى نهايته وإلى ما وقع عليه من الذل و الانكسار حتى انغمس في الوحل النجس ، قال الله } :فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ{ داره ماذا تحتوي ؟! تحتوي على حاشية خُسف بها معه ، تحتوي على أنصار خسف بهم معه ، تحتوي على خدم خسف بهم معه ، تحتوي على أموال خسف بها معه ، تحتوي على أرائك خسف بها معه ، تحتوي على كل ما عنده من كنوز خسف بها معه ، وإذا سقط الظالم سقط معه جمع كبير ممن كانوا يناصرونه ويُظاهرونه ، قال : }فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ{ أين حاشيته !؟ أين الذين كانوا يتمنون أن يكونوا مثله ؟! أين الذين كانوا ينظرون في رضاه وينسون رضا رب العالمين ؟! أين الذين كانوا يشتاقون إلى نظرة منه والتفاته أو كلمة ثناء ؟! أين هؤلاء ؟! قال الله تعالى } :فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ{ لا عنده فئة تنصره من دون الله ، ولا هو يستطيع أن ينصر نفسه فينتصر ، أمواله ذهبت ، جواهره ذهبت ، حرسه ذهبوا ، وأحذيته وملابسه كل هذا ذهب ، والحاشية التي كانت تنصرني ذهبت ، أين الذين كنت أفعل ما أفعل لأرضيهم !؟ تخلوا عني تخلوا عني ، قد كان هو منديل تمندلوا به ثم ألقوه تحت أقدامهم }فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ {ومن الذي يغالب الله جل وعلا إذا غضب الله تعالى فلا رادّ لغضبه ، ولا مغيّر لقضائه وقدره } فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ{ قال الله } وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ{ الذين كانوا يمشّون له الأمور ، ويغطّون عنه ، ويستعملهم لأجل أن يتمندل هو بهم أيضاً ، يستعملهم جسوراً ليظلم الناس و يأكل حقوقهم ، قال الله } وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْ { وي !! تعجب من المفاجأة التي حصلت ، كل هذا حصل خلال وقت قصير } وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ { يبسط إذا شاء ويقدر ويضيّق إذا شاء ، ثم أيقنوا أن الملك بيد الله يؤتي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاء وَيَنْزِع الْمُلْكَ مِمَّنْ يَشَاء وَيُعِزّ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلّ مَنْ يَشَاء بِيَده الْخَيْر وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير. }وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ { ثم اعترفوا وقالوا}لَوْلاَ أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا { لولا أن الله حمانا من أن نقترب من هذا الفاجر } لوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا { لكنا في داخل قصره وخسف بنا ، الحمد لله يا رب أنك لم تجعلنا من حاشيته }وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَه لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ { ثم قال الله تعالى } تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ { ما يريد علواً في الأرض ، ليس همه أن يصبح رئيساً ، وليس همه أن يصبح ملكاً ، وليس همه أن يصبح وزيراً ، فلا يتزلف ولا يتقرب ولا يتنازل عن شيء من دينه ، لا، لا يريد علواً ، يريد أن يعيش متواضعا يأكل كما يأكل الناس ، ويشرب كما يشرب الناس ، ويلبس كما يلبس الناس ، ويركب سيارة كما يركب بقية الناس ، ويسافر إلى الأماكن التي يسافر إليها الناس ، ويعيش مع أولاده ويسكن بيتا كما يسكن بقيه الناس ، ليس شرطاً أن يسكن بيتاً يساوي الملايين ، أو يلبس ساعات تقاس بالملايين وجواهر ودرر ، لا ، لا يريدون علواً في الأرض ، هم لا يريدون دنواً ولا يريدون علواً، يريدون أن يعيشوا وسطاً }لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا{ لا يريدون الفساد في الأرض ، لذلك هم ينكرون المنكر ويأمرون بالمعروف ، ثم قال الله تعالى مُنهياً القصة }وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ{ العاقبة في الدنيا والعاقبة في الآخرة لمن اتقى ، لمن عظّم الله تعالى ، وعلم أن المُلك بيد الله وأن الأمر بيده و أن العز بيده وأن الذل بيده وأنه يعز من يشاء ويذل من يشاء ، قال الله } تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ{


    اسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا جميعاً من المتقين ، الذين يجعل الله تعالى لهم العاقبة . أقول ما تسمعون واستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم

    الخطبة الثانـية


    الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه ، ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستنّ بسنته إلى يوم الدين ..

    اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين ، اللهم اخذل الشرك والمشركين ، اللهم دمّر أعدائك أعداء الدين ، اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا أو أراد شيئا من بلدان المسلمين بسوء فاشغله بنفسه ، وردّ كيده في نحره ، واجعل تدبيره تدميرا عليه يا قوي يا عزيز يا رب العالمين ، اللهم احفظ إخواننا في تونس ، اللهم احفظ إخواننا في تونس ، اللهم اجمع كلمتهم على الخير و الهدى ، اللهم ولي عليهم خيارهم ، اللهم ابعد عنهم شرارهم ، اللهم ولي عليهم خيارهم وابعد عنهم شرارهم ، اللهم اجعل واليهم أحبهم إليك ، اللهم اجعل واليهم أحبهم إليك ، اللهم ولي عليهم أحبهم إليك وأكثرهم طاعة لك ، يا حي يا قيوم يا رب العالمين ، اللهم أمّنهم في ديارهم اللهم أمّنهم في ديارهم اللهم أمّنهم في ديارهم ، اللهم من كاد لهم فكده واجعل تدبيره تدميرا عليه يا قوي يا عزيز ، اللهم واحم جميع بلاد المسلمين من الفساد والفوضى ، اللهم أعمها جميعا بالأمن و الإيمان والسلامة والإسلام يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم وإنا نسألك لبلدنا هذه خاصة أن تكفيه الفتن والشرور يا حي يا قيوم ، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى ، اللهم خذ بناصيته إلى البر والتقوى ، اللهم وفقه لهداك اللهم اجعل عمله في رضاك ، وسائر ولاة أمور المسلمين في كل بلد يا حي يا قيوم ، اللهم إنا نشكرك يا ذا الجلال والإكرام على ما أنزلته علينا من الغيث والأمطار ، اللهم فإنا نسألك أن تنفع بها العباد والبلاد ، اللهم وأن تجعلها بلاغاً للحاضر والباد ، اللهم انبت بها الزرع وادر بها الضرع ، اللهم إنا نعوذ بك أن تكون فساداً و تخريبا أو هدماً أو طوفاناً يا رب العالمين .

    اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ..

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .



      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 1:51 pm